الحب
عندما يقرأ أحدكم هذا العنوان قد يتبادر إلى ذهنه بأن الحب
هو الذي يتبادله الناس على شاشات التلفاز ... فيقول بأنه كلام فارغ.
لكن الحب الذي اعنيه هو غير هذا تماما لأنه سر الحياة أو انه إكسيرها الغالي
الذي لا تجده إلا في مواطنه.
لذلك فإنني أتمنى أن يكون الحب مادة تدرس و تغرس في النفوس
بدلا من هذه الكراهية التي تمكنت من نفوس معظم الناس اليوم,
بسبب ابتعادهم عن الإيمان الصحيح.
الحب ليس شعارات زائفة, و لا ادعاءات كاذبة, بل ولاء و انتماء و صفاء و إخلاص
و تفان و تضحية. فلولا الحب لما جمع الله بين قلبي آدم و حواء رغم أن كلاً منهما
نزل عندما نزل من السماء في مكان بعيد عن الآخر.
و لولا الحب لما حمل نوح زوجين من كل شيء في سفينته قبل الطوفان.
و لولا الحب لما التف العالم حول رجل عاش يتيما, ثم طرد من بلده,
و لم يملك عندما خرج من مكة غير إيمانه بأنه مبعوث العناية الإلهية للعالمين,
و يجب أن يتحمل أذى الناس.
و لولا الحب لما حفظت الزوجة نفسها عن الحرام إكراما لزوجها.
و لولا الحب لما حملت الأم جنينها بين أحشائها تسعة اشهر,
و صبرت عليه بعد ذلك سنوات لترضعه و لتربيه بين أتحضانها.
و لولا الحب لما استطاع الفقير (غاندي) أن يدخل قلوب ملايين الهنود,
و يكسب احترام البلايين من أبناء العالم, و يلقب فيما بعد بالمهاتما غاندي.
ثم انظر إلى الكراهية كيف تفتك بالشعوب منذ أول ولادة ولد آدم.
فقابيل حمل الصخرة و ألقاها على أخيه هابيل فقتله, و هو يعلم انه لا ذنب له.
و انظر إلى كفار قريش كيف تآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم
و هو من بني جلدتهم, بل و ابن عمومتهم.
و انظر إلى الزوجة كيف تخون زوجها, في حين انه في يوم من الأيام أرخصت
في سبيله أغلي ما عندها.
و انظر إلى (يلتسين) كيف جعل الشيشان قاعا صفصفا, مع العلم بأنها
جمهورية من حقها أن تعيش بحرية كما تعيش جاراتها.
أقول أن الأمثلة على وجود الحب و الكراهية كثيرة.
و المطلوب القضاء على الكراهية, و الاحتفاظ بالحب وحده لكن كيف؟؟
هذا الحب كما قلنا لا خير فيه إن لم يتحول إلى سلوك نمارسه,
أو هواء نستنشقه أو طعام نطعمه, أو شراب نشربه.
لذلك فانه يجب أن يغرس في النفوس منذ تفتح أول برعم من براعم الحياة
يجب أن يحبب الوالدان حب القيم إلى أولادهم منذ أن يفتح عينيه على الدنيا,
و لكي يحب الولد الحياة يجب عليهما أن يحباه, و لن يحباه إلا إذا أمراه بكل طيب,
و نهياه عن كل خبيث. و يجب على الزوجين أن يحب كل منهما الآخر,
و لن يحبا بعضا إلا إذا آثر كل منهما رضاء الآخر, و صان كل منهما الآخر,
و تحمل كل منهما الآخر.
و يجب على المعلم أن يحب تلميذه, و لن يحبه إلا إذا حبب إليه الدرس و العلم,
و امسك بيده إلى تهذيبه و إصلاحه.
و يجب على كل مواطن أن يحب وطنه, و لن يحبه إلا إذا حافظ على
ثروات وطنه من الهدر, و حافظ على نظافته من التلوث بكل معانيه.
و يجب على الطالب أن يحب معلمه, و لن يحبه إلا إذا وقره و بجله
و عمل بإرشاداته ونصائحه, و وفر له الهدوء و الانضباط في الصف لكي يمنحه من علمه.
و يجب على كل عامل في أي حقل من حقول العلم أو العمل أن يحب عمله,
و لن يحب عمله إلا إذا آمن إيمانا جازما بأنه يعمل لله و حبا في وطنه,
لا من اجل المعاش الذي ينقص و قد يزيد, و قد ينقطع.
و يجب على كل من عاش على ارض أن يحبها و لن يحبها إلا إذا كان وفيا معها,
فلا ينكر جميل أهلها الذين احتضنوه عندما قدم إليهم, و لا يقول عنها إلا خيرا
إذا غاب عنها, و ليتذكر أيام العز التي عاشها في ربوعها.
إذن فالحب مادة ولكنها ليست صماء و لا جوفاء, بل مليئة بالعواطف الجياشة,
و المشاعر الملتهبة و الأحاسيس المرهفة التي تؤمن بالبناء لا الهدم,
و بالعلم لا بالجهل, و بالعقل لا العنجهية.
نعم الحب مادة يجب أن يدرسها كل طفل لأن من عاش محروما منها صغيرا
عانى من الحياة كبيرا, فتعقد عندئذ و عقد من حوله من البشر.
من عاش محروما من الحب لا يمكن أن يؤتمن على تربية أطفال الناس,
و لا يؤتمن على العاملين تحت يديه, لأنه عاش محروما, و فاقد الشيء لا يعطيه.
و من عاش محروما من الحب لا يمكن أن يتفاءل بالحياة,
لأنه ينظر إليها من خلال نظارته السوداء.
من هنا نقول: كل ما نجد من سلبيات هنا و هناك,
ماهي الا نتيجة للحياة التي عاشها ذلك المسئول, او ذلك الاب, او ذلك المعلم,
او ذلك العامل, والانسان ما هو الا إناء ينضح بما فيه,
وقديما قال الشاعر: لا تسأل المرء عن خلائقه في وجهه شبه من النظر
فالحب و الكره اذن قاسم مشترك بين كل افراد البشر لا بحكم مسمياتهم
الوظيفية و الاجتماعية, بل من واقع مسئولياتهم الوطنية و الاجتماعية.
الا ترى ان للفراش تأثير في موقع عمله, كما ان للمدير تأثيرا؟ لماذا؟
لأن كلا منهما يتحمل جزءا من عبء العمل, فلن ينجح ذلك العمل الا اذا عمله باتقان.
فمدير مؤسسة ما مثلا يؤثر سلبا على مستشاره او موظفه اذا لم يوفر له
ادوات العمل التي تساعده على الانتاج, او لم يسمعه كلمة تشجيعية.
و الفراش قد يؤثر على هذا المستشار او هذا الموظف اذا لم يقدم له قهوة الصباح
التي عوده اياها. و وجه الشبه بينهما هو ان كلا منهما استطاع ان يؤثر صاحبه,
و اذا توتر لم يقدر على التفكير السليم, و بالتالي لم ينتج.
من هنا نعلم ان الكراهية وحدها هي سبب كل انواع القتل و الدمار الموجودة
في العالم. و الكراهية هي ايضا سبب ذهاب الحقوق الى غير اصحابها. و اذا اراد العالم
ان يسوده الامن و الامان و الاطمئنان فان واجب الجميع ان يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
اذن فالحب وحده كفيل بأن يحقق لنا النجاح في كل الميادين,
و الحب الحقيقي هو ما كان لله, كما ان الكره الحقيقي يجب ان يكون في الله,
لذلك فان جميع الأمثلة التي ذكرناها مرتبطة بمشيئة الله.
و اذا علمت ذلك فلا تستغرب اذا سمعت بأن حباً جمع بين فلان و فلان
لعدة سنوات ثم انتهى, نعم انتهى لانه لم يكن لله, بل لمصلحة
فلما انتهت تلك المصلحة انتهت العلاقة التي بينهما,
و صدق الشاعر اذ قال: صلى المصلي لأمر كان يطلبه لما انقضى الامر لا صلى ولا صاما